الوحدة الوطنية- صمود المواطنة في وجه التحديات ورؤية 2030

المؤلف: عبداللطيف الضويحي11.21.2025
الوحدة الوطنية- صمود المواطنة في وجه التحديات ورؤية 2030

حيثما يحل الإنسان، تزدهر القيم النبيلة، وتتجسد المصالح المشتركة، ويعمر وجه البسيطة، ويسود الأمن والسلام. هنالك، يتلاقى المكان بالزمان في سمفونية أزلية، وينصهر عبق التاريخ بجغرافية الواقع، لتولد الأوطان شامخة، وتتشكل هويتها – رأسياً وأفقياً – بالإيمان الراسخ، والإدارة الحكيمة، والأمن الشامل، والتنمية المستدامة، والعدل الناجز. تحتفي الدول والشعوب بأيامها الوطنية المجيدة، تعبيراً صادقاً عن انتمائها الأصيل، وتكريساً لوحدتها المتينة، ليس من قبيل المظاهر أو الوجاهة الزائفة، بل كتأكيد راسخ على عمق الشراكة الوثيقة الممتدة بين الوطن والمواطن، وترسيخاً لكل القيم والمبادئ المشتركة التي تجمع بينهما. فالعدالة والمساواة هما النقيض المطلق للفوضى العارمة وغياب القانون الرادع، ومن هذا المنطلق تستمد المواطنة الحقة أصالتها وثباتها وعمق ارتباطها الوثيق بكافة الأطر القيمية والقانونية والمؤسساتية الراسخة، ومن هنا تتجلى هذه الروابط المقدسة وهذا الانتماء المتين. يتعرض مفهوم المواطنة الأصيل لاختبارات جمة وتحديات جسيمة كلما طفت على السطح – في العديد من الدول – تحديات المفاهيم البالية بعناوينها البراقة الجديدة، خاصة في منطقتنا العربية العزيزة، من خلال إعادة إنتاج انتماءات عتيقة متجددة، بعد أن ظن البعض наивно أنها قد اندثرت أو تلاشت إلى زوايا بعيدة من الذاكرة نتيجة الانتشار الواسع للتعليم وتنامي الوعي، فضلاً عما أفرزته ابتكارات التقنية الحديثة وما نجم عنها من تقريب للمسافات وتضييق للفجوات الحضارية والجغرافية والتاريخية بين الدول والشعوب، الأمر الذي تسبب في إحياء ولاءات وانتماءات بعضها موغل في القدم وبعضها الآخر يتم تصنيعه وإنتاجه بأساليب خبيثة من وراء البحار أو عبر الحدود لزعزعة الوحدة الوطنية وتقويض مفهوم الوطن والمواطنة والمساس بالهوية الوطنية الجامعة. تلك الظواهر المشينة عادت إلى الواجهة بقوة تغذيها إما المصالح الضيقة الأنانية أو التأثيرات الإقليمية والدولية العابرة والجارفة في بعض الأحيان. إن المواطنة الحقة لا تلغي الانتماء للعشيرة أو القبيلة العريقة والمنطقة العزيزة والمذهب السمح والطائفة الكريمة، لكن المواطنة الصادقة هي التي تضع الانتماء للوطن الغالي فوق كل اعتبار؛ لأن مظلة الوطن أوسع وأشمل وهي الضمانة الأكيدة في تحقيق المساواة الكاملة وترسيخ مبادئ السلم الأهلي والعيش المشترك الآمن للجميع والتعليم المتاح والصحة الشاملة والعمل الكريم والمسكن اللائق للجميع على قدم المساواة التامة. فالأدوات والوسائل التي تعاقب المسيء والفاسد والظالم والمزور والمجرم هي ذات الأدوات التي تكرم وتكافئ وتعلي شأن المبتكر والمخترع والمتفاني في عمله ووقته وجهده. لا يستطيع أحد مطلقاً أن يلغي الانتماءات للقبائل الأصيلة والعرقيات المتنوعة والمناطق المختلفة وليس مطلوباً ذلك إطلاقاً، ولكن على الدولة – أي دولة – ألا تسمح لهذه الانتماءات أن تتورم وتنتفخ بصورة غير طبيعية بما يفوق ويتجاوز حجم الوطن وقيمته المقدسة وألا تقدم نفسها بديلاً عن الانتماء للوطن كمظلة أرحب وأعمق وأحدث لكل تلك الانتماءات الصغيرة، وهذا في الحقيقة هو ما يحصن الجبهة الداخلية للأوطان ويحميها من المخاطر، ويسد كل الثغرات التي من الممكن أن يستغلها المتربصون من الليبرالية الجديدة والرأسمالية المتطرفة. اليوم تحل علينا مناسبة اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية الـ 94 وهي أكثر أمناً واستقراراً ورسوخاً وحضوراً وتأثيراً فاعلاً في كافة المحافل الدولية والإقليمية، وهذا لم يتحقق إلا بفضل النهج المعتدل الحكيم الذي تتبناه قيادة هذه البلاد المباركة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، ومن سبقوهما من قادة هذه البلاد منذ عهد المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه -. من العوامل الجوهرية لاستقرار المملكة ونجاح تجربتها الفريدة التوأمة الناجحة في هويتها الجامعة بين العربية الأصيلة والإسلام السمحة ولما لهذا الترابط الوثيق من بعد تاريخي راسخ وجغرافي متين على هذه الأرض المباركة في رسم هوية المملكة العربية السعودية والحفاظ على الخط الوسطي الذي اختطته قيادة هذه البلاد عبر التاريخ الطويل، منذ تأسيسها وما تحقق من إنجازات عظيمة متعددة ومتنوعة على الصعيدين المحلي والدولي، فكان ذلك ترجمة واقعية لما نشهده اليوم من تلاحم وثيق بين القيادة والشعب والذي يتجلى بأبهى صوره مع الاحتفال باليوم الوطني المجيد من كل عام. لكن ما جعل المملكة العربية السعودية رقماً صعباً ومؤثراً في المعادلة الإقليمية والدولية في السنوات الأخيرة تحديداً، هو حجم التحديات الجسيمة وكمية الاختبارات الصعبة التي اجتازتها بنجاح باهر وثقة راسخة وثبات عظيم. وأهم تلك الاختبارات التي نجحت فيها السعودية بجدارة هو عبورها الحجم الكبير من التغييرات الكمية والتحولات النوعية العميقة مع شعبها الوفي ومؤسساتها العريقة ومجتمعاتها المتنوعة في ضوء ما رسمته مستهدفات رؤية المملكة 2030 الطموحة مع حفاظها الراسخ على ثوابتها الدينية ومرتكزاتها القيمية والأخلاقية والثقافية الأصيلة إلى حد كبير. إن الأرقام القياسية التي حققتها ولا تزال تحققها المملكة العربية السعودية إلى اليوم في شتى القطاعات وعلى مختلف الأصعدة تشهد على ذلك، أصبحت مرجعاً مهماً وملهماً لنضج التجربة السعودية الفريدة وما كانت لتتحقق لولا الفكر المستنير والرؤية الثاقبة والعمل الدؤوب المتواصل والمتابعة الحثيثة التي يقودها عرّاب الرؤية الطموحة سمو الأمير محمد بن سلمان وفريقه المدرب والمحترف والمتنوع دون كلل أو ملل، ويعكس ما وصل إليه شعب المملكة العربية السعودية من وعي كبير ومعرفة واسعة وتجربة فريدة ومسؤولية عظيمة وأعتقد جازماً أنها ستكون قريباً مرجعاً دولياً للكثير من الممارسات الناجحة. أخيراً، إن الوطن هو ملاذ المشاعر والأفكار النبيلة وحضن الطموحات والتطلعات السامية حين ترحل أمهاتنا وآباؤنا الغالين قبل أن يشاركونا تحقيق طموحاتهم العظيمة، إنه ذلك الكتف الدافئ الذي نلقي عليه رؤوسنا المتعبة المثقلة بالهموم، لنبوح له بأحلامنا الوردية التي لم نتمكن من تحقيقها بعد فننقلها لأولادنا الأعزاء ليكملوا البناء الشامخ. إنه الوطن الذي يدخل من نوافذ الطائرة عندما نغادره ونشتاق إليه وحين نعود إليه بقلوب محبة. إنه الوطن الذي يوقظنا من نومنا العميق كلما شعرنا بألم أو أمل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة